موقع الباقر مالك الامين

موقع الباقر مالك الامين
المدير العام

الأحد، 17 أغسطس 2014

مفهوم الإصلاح الادارى في الفكر الادارى المقارن



مفهوم الإصلاح الادارى في الفكر الادارى المقارن
د.صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه بجامعه الخرطوم
Sabri.m.khalil@hotmail.com
تعريف المفهوم: تعددت تعريفات مفهوم الإصلاح الادارى ، كمحصله لتعدد الزوايا المنظور منها إلى المفهوم، وتركيز كل تعريف على عناصر معينه للإصلاح الادارى، ومن هذه التعريفات:
أولا: مجموعة الإجراءات الرامية إلى إزالة خلل ما في النظام الإداري ، وذلك خلال فترة زمنية محددة وفي مواضع معينة.( المعهد العالي للتنمية الإدارية / دورة منهجيات الإصلاح والتنمية الإدارية / دمشق/ 2005).
ثانيا: مضمون ايجابي ، يهدف إلى نشر الوعي والإدراك، بين المسئولين أو السلطات المختصة والمواطنين ، حول الأهمية والحاجة إلى أن نبني أحدث المفاهيم والأفكار في مجال علم الإدارة العصري ، في إطار الإدارة العامة.( رندة أنطوان/ الإصلاح والتحديث الإداري/ صنعاء/المعهد الوطني للعلوم الإدارية /2000).
ثالثا: تغيير مقصود وشامل على مستوى الحكومة أو المنظمة ، في إطار رؤية مستقبلية للقيادات الإدارية ، تحدد ما يجب تحقيقه من إصلاحات إدارية لضمان رضاء الجمهور المستفيد، من خلال تبني مفاهيم ونظريات إدارية حديثة ، يتم على أساسها تنمية الموارد البشرية ماديا ومعنويا ، وتطوير الهياكل وتبسيط الإجراءات وتحديث الأدوات والوسائل الفنية والتقنية ، على أساس التدرج غير المنقطع والمتفاعل مع البيئة الكلية للمنظمة.
  استراتيجيات الإصلاح الإداري
ويمكن التمييز بين أربع استراتيجيات للإصلاح الإداري تعتمد على مدى نطاق شمول الإصلاح أو درجته.
أولا: الإصلاح الجزئي: وتمثل جهود التطوير الإداري ، التي تنصب على قلة من العناصر المكونة للنظام الإداري الكلي، ويختار للتطوير فيها عدد محدود من المنظمات ، ومثال له تبسيط إجراءات العمل أو تطوير الهياكل التنظيمية والوظيفية
ثانيا: الإصلاح الأفقي : وتمثل جهود الإصلاح الإداري ، التي تركز على قلة من العناصر المكونة للنظام الإداري الكلي، لكنها تطبق على كل منظمات الجهاز الحكومي أو قطاعاته, ومثال له  تصحيح سلم الأجور والمرتبات أو وضع الهياكل التنظيمية وتطويرها أو أجراء تقييم للوظائف في جميع قطاعات الجهاز الحكومي.
ثالثا: الإصلاح القطاعيوتمثل جهود الإصلاح الادارى ،  التي تنتقي عدداً محدداً من المنظمات الحكومية، وتركز على متطلبات التطوير لرفع فعالية أدائها.
رابعا: الإصلاح الشامل :  وتمثل جهود الإصلاح الإداري، التي تتناول بالتطوير مختلف العناصر الحرجة للأنظمة والممارسات الإدارية، وذلك في قطاعات الجهاز الإداري كافة.
مراحل الإصلاح الإداري:
وللإصلاح الادارى مجموعه من الخطوات المترابطة وهى:
أولا : الإحساس بالحاجة للإصلاح الإداري: حيث أن شيوع ظواهر الاداريه السلبية  ، يعطي شعوراً بالوضع القائم الغير المرغوب فيه ، والحاجة إلى تغييره للوصول لما نريد .
ثانيا: صياغة الإستراتيجيات ووضع الأهداف : حيث يتم في هذه المرحلة تحديد ماذا نأمل أن نحقق من الإصلاح الإداري (رؤية) لماذا الإصلاح الإداري (رسالة ) ماذا يجب أن نحقق (الأهداف ) وكيف يكون ذلك (الإستراتيجيات ).
ثالثا: مرحلة تطبيق الإصلاح الإداري وتنفيذه
رابعا: مرحلة الرقابة وتقويم لإصلاح الإداري  : وللرقابة أشكال متعددة منها:
 ا/ الرقابة اللاحقة على الإصلاح الادارى: حيث يتم قياس ما تحقق ومقارنته مع معايير نجاح الإصلاح الادارى.
ب/ الرقابة المتزامنة مع  الإصلاح الادارى : حيث تعمل على تقويم الاعوجاج في عملية التنفيذ عن المخطط له بالاعتماد على التغذية العكسية للمعلومات.
(الإصلاح الإداري /سلمان سلامة / ماجستير إدارة أعمال/ كلية الاقتصاد /  جامعة دمشق)
الإصلاح الادارى والمنظور المؤسسي للوظيفة :  ومن أهم شروط  الإصلاح الادارى ، هو انتقال المجتمع من المنظور الشخصي للوظيفة إلى المنظور المؤسسي لها، والمنظور الشخصي للوظيفة هو المنظور الذي يخلط بين الوظيفة والموظف (الشخص)، ويجعل العلاقة بينهما علاقة تطابق ، أما المنظور المؤسسي للوظيفة فهو المنظور الذي يرتكز على التمييز بين الوظيفة والشخص الذي تستند إليه الوظيفة (الموظف)، فالمؤسسة هي ” كيان يقوم على مبدأ تنظيم معظم نشاط أعضاء مجتمع أو جماعة حسب نموذج تنظيمي محدد مرتبط بشكل وثيق بمشاكل أساسية أو بحاجات مجتمع أو اجتماعية أو بأحد أهدافها” ، وبالتالي فان الفكرة الأساسية التي تميز المؤسسة عن غيرها من أشكال التنظيم الاجتماعي هي استقلاليتها عن العناصر المتشكلة منها ، و تميزها عن هذا العناصر ، بحيث أنها تضيف إليها شيئا جديدا لم يكن موجودا لديها من قبل) (ويكيبيديا، الموسوعة الحرة).
الإصلاح الادارى في الفكر الادارى الاسلامى:
مفهوم الإصلاح فى منهج التغيير الاسلامى: أما في الفكر الادارى الاسلامى، فيمكن إدراج مفهوم الإصلاح الادارى تحت إطار مفهوم الإصلاح في منهج التغيير الاسلامى:
المعنى الاصطلاحي: فقد ورد مصطلح الإصلاح في  القران الكريم بعدة معاني منها: ما يقابل الفساد كما في قوله تعالى (وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا﴾ (الأعراف: 56) ، وما يقابل السيئة كما في قوله تعالى(خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا)( التوبة: 102) ، وتوفيقَ الله لعباده لعمل الصَّالحات كما فى قوله تعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ )( الأحزاب: 71)، ومحو التباغض بين المتخاصمِين كما في قوله تعالى (وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )( البقرة: 224)
أدلته: وقد أشارت الكثير من النصوص إلى مفهوم الإصلاح بمعانيه المتعددة، وجعله القران جوهر رسالات السماوية ، فوصف به إبراهيم(وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)(البقرة: 130) ، وعيسى (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ)(آل عمران:46) ، وشعيب (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)(هود: 88)، يقول الإمام الرازي في تفسيره الكبير (والمعنى: ما أريد إلا أن أصلحكم بموعظتي ونصيحتي, وقوله ما (استطعت) فيه وجوه: الأول أنه ظرف والتقدير مدة استطاعتي للإصلاح وما دمت متمكنا منه لا آلو فيه جهدا. والثاني أنه بدل من الإصلاح, أي المقدار الذي استطعت منه. والثالث أن يكون مفعولا له أي ما أريد إلا أن أصلح ما استطعت إصلاحه).
مضمونه:ومضمون الإصلاح في منهج التغيير الاسلامى هو التغيير التدريجي الجزئي السلمي، ومن أدلته قول الرسول ( صلى الله عليه وسلم) ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده إن استطاع، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان، ليس بعد ذلك من الإيمان شيء) (صحيح مسلم رقم 78).ويأخذ الإصلاح كنمط للتغيير أشكال عده فى منهج التغيير الاسلامى ، ومنها :
ا/ التقويم : وقد عبر عنه أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) بقوله (إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني)، فالتقويم يعبر عن موقف يتجاوز كل من موقفي الرفض المطلق والقبول المطلق ، إلى موقف نقدي قائم على اخذ وقبول الصواب، ورد ورفض الخطأ ، فهو نقد للسلطة لتقويمها ، اى بهدف الكشف عن أوجه قصورها عن أداء دورها كنائب ووكيل للجماعة .
ب/ النصح : لقوله (صلى الله عليه وسلم)(الدين النصيحة، قيل : لمن يا رسول الله !؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم ) ،يقول الباقلاني بعدما ذكر فسق الإمام و ظلمه …( بل يجب و عظه و تخويفه ، و ترك طاعته في شيء ممّا يدعو إليه من معاصي الله)(التمهيد 186).
المنظور المؤسسي للوظيفة:  وقد اخذ الفكر الادارى الاسلامى بالمنظور المؤسسي للوظيفة ، والذي يعد من أهم شروط الإصلاح الادارى كما سبق ذكره ، وخير تأكيد على ذلك واقعه عزل عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لخالد بن الوليد (رضي الله عنه) حتى لا يربط المسلمون بين النصر( ذو الشروط الموضوعية) و(شخص) خالد بن الوليد ، روى سيف بن عمر أن عمر ( رضي الله عنه ) قال حين عزل خالداً عن الشام ، و المثنى بن الحارثة عن العراق ) إنما عزلتهما ليعلم الناس أن الله تعالى نصر الدين لا بنصرهما ، وأن القوة لله جميعاً ) (البداية والنهاية :7/93)، وورد أيضا في(البداية والنهاية)   أن عمر( رضي الله عنه) كتب إلى الأمصار ( إني لم أعزل خالداً عن  سخطة ولا خيانة ، ولكن الناس فُتنوا به فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع)(7/81)، ويقول ابن عون(ولي عمر فقال : لأنزعنَّ خالداً حتى يُعلم أن الله تعالى إنما ينصر دينه . يعني بغير خالد ) ( سير أعلام النبلاء (1/378(.
معيار الكفاءة : ومن شروط الإصلاح الادارى الأخذ بمعيار الكفاءة ، والذي اقره الفكر الادارى الاسلامى، قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) ( من استعمل رجلاً على عصابة، وفيهم من أرضى الله منه فقد خان الله ورسوله) ، وقال (صلى الله عليه وسلم)( من أولى من أمر المسلمين شيئاً ، فأمر عليهم أحد محاباة ، فعليه لعنة الله لا يقبل منه صرفاً ولا عدلاً حتى يدخله جهنم).
عدالة الأجور: ومن شروط الإصلاح الادارى مبدأ عدالة الأجور الذي اقره الفكر الادارى الاسلامى ، روي أن أبو عبيدة تحدث يوماً مع عمر(رضي الله عنه) في استخدام الصحابة في العمل فقال ( أما إن فعلت فأغنهم بالعمالة عن الخيانة )، قال أبو يوسف في تفسيره ( إذا استعملتم علي شيء فابذل لهم العطاء والرزق لا يحتاجون).
جواز إسناد الأعمال لغير المسلم : ومن القضايا التي تناولها الفكر الادارى الاسلامى، قضية إسناد الوظائف لغير المسلم، وهى قضيه تتصل بالإصلاح الادارى ، فضلا عن الإصلاح الاجتماعي والسياسي ، لأنها تتصل بقضية حقوق الأقليات الدينية ومفهوم المواطنة ، وهنا نجد انه إذا كان هناك في الفقه الاسلامى من يرى المنع المطلق كأغلب المالكية والإمام احمد، فإننا نجد أيضا من يرى الجواز المطلق كابي حنيفة وبعض المالكية، وهناك من يرى الجواز أحيانا والمنع أحيانا، وهو رأى اغلب العلماء ، حيث يرى ابن العربي( أن كانت في ذلك فائدة محققه فلا باس به)(ابن العربي، 16،268)، كما جوز الماوردي وأبو يعلى لغير المسلم أن يتولى وزاره التنفيذ دون ولاية التفويض . والذي نراه هو وجوب التمييز بين غير المسلم المواطن وغير المسلم الاجنبى، فالأول يحق له إسناد الأعمال له مادام شرط الكفائه متوفر فيه، لأنه جزء من حق المواطنة الذي اقره الإسلام (مفهوم أهل الذمة ) ، أما الثاني فيتوقف إسناد الأعمال له على مصلحه الدولة.
 الاستفادة من إسهامات الأمم الأخرى فى مجال الاداره: ومن شروط الإصلاح الادارى الاستفادة من تجارب وخبرات الأمم والشعوب الأخرى في مجال الإصلاح الادارى ، وهنا نجد أن الفكر الادارى الاسلامى، يقوم على تجاوز موقفي الرفض والقبول المطلقين لإسهامات الأمم الأخرى في مجال الاداره ، إلى موقف نقدي قائم على اخذ وقبول ما يتسق مع أصول الدين وواقع المجتمعات المسلمة، ورد ورفض ما يتناقض معهما . فقد استفاد الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) في غزوة الأحزاب من الفرس فى صنع الخندق ، ورد فى عون المعبود (سميت الغزوة بالخندق لأجل الخندق الذي حفر حول المدينة بأمره – عليه الصلاة والسلام – لما أشار به سلمان الفارسي فإنه من مكائد الفرس دون العرب)، و استفاد عمر بن الخطاب(رضي الله عنه) من الفرس في تدوين الدواوين ، يقول ابن الأثير(الديوان هو الدفتر الذي يكتب فيه أسماء الجيش وأهل العطاء، وأول من دون الدواوين عمر، وهو فارسي معرب)، كما قرر علماء أهل السنة جواز الاستفادة من إسهامات الأمم الأخرى في الأمور الدنيوية بشرط عدم تناقضه مع الدين، مثل مسائل الطب والحساب المحض التي يذكرون فيها ذلك، وكتب من أخذ عنهم مثل محمد بن زكريا الرازي وابن سينا ونحوهم من الزنادقة الأطباء؛ ما غايته انتفاع بآثار الكفار والمنافقين في أمور الدنيا فهذا جائز، كما يجوز السكنى في ديارهم ولبس ثيابهم وسلاحهم، وكما تجوز معاملتهم على الأرض كما عامل النبي يهود خيبر)

أوجه القصور في الخدمة المدنية في السودان




أوجه القصور في الخدمة المدنية في السودان

علي الرغم من تماثل وتطابق تشريعات الخدمة المدنية التي صدرت في ظل الدساتير المختلفة التي صدرت في السودان، والاختلاف الطفيف بينها في بعض التعديلات الإصلاحية دونما مساس بالجوهر والعموميات والأطر العامة، توجد بعض أوجه القصور التي شابت الخدمة المدنية في السودان في كل الحكومات التي تعاقبت علي الحكم بعد الاستقلال من واقع التطبيق العملي ومقارنته بالتشريعات الصادرة، ويجدر بنا الإشارة إليها بعلمية وموضوعية بعيدا عن أي مؤثرا ت أواخفاءأ وتغطية أو تجاهل بعض الإشكالات والمظاهر السالبة الجوهرية، فذلك يتعارض مع الأمانة العلمية، ولا يبرأ الجرح ولا يلتئم علي تقيح، بل لابد له من عملية مشرطية تنظف الجرح ليبدأ في الالتئام ويمكن تلخيصها في الأتي :

أولا من حيث الشكل
ا / التدخلات السياسية في الخدمة
بدأ التدخل السياسي في الخدمة المدنية في العهد الديمقراطي الثاني بعد ثورة أكتوبر 1964 حيث تم تطبيق شعار" التطهير واجب وطني"والذي بموجبه تمت أحالة خيرة رجال الخدمة المدنية السودانية إلي التقاعد لأسباب سياسية .
وفي العهد المايوي (1969 /1985) تم القضاء علي استقلالية وحيدة الخدمة الوطنية وإجبار رجال الخدمة المدنية بمواقعهم المختلفة علي الانخراط في التنظيم السياسي "الاتحاد الاشتراكي"بمستوياته المختلفة، تطبيقا لشعارها "الإدارة والسياسة وجهان لعملة واحدة وفلسفتها في خلق روافد وفروع للتنظيم السياسي في مواقع العمل ، وكان من المألوف أن يكون بعض من يحتلون المواقع الدنيا في الخدمة المدنية يتولون رئاسة التنظيم السياسي بموقع العمل بينما يكون الموظف الذي يتبوأ المنصب الاعلي في الوحدة الحكومية مجرد عضو عادي يتلقى منه تعليماته السياسية وتأثير ذلك علي العمل التنفيذي اليومي والذي أحدث خللاً في علاقات العمل والعلاقة بين الرؤساء والمرؤوسين وبالعكس للخلط بين الموقع السياسي والموقع التنفيذي فاختل الهرم الوظيفي لخوف بعض المسئولين التنفيذيين علي مواقعهم .
وفي العهد الديمقراطي الثالث(1985/1989) لم تسلم الخدمة المدنية من التدخلات السياسية بتطبيق شعار "كنس أثار مايو".
وفي بدايات الإنقاذ الوطني وتطبيقا لشعارات "القوي الأمين"" أهل الثقة والولاء " " البدريون " تم أحالة بعض موظفي الخدمة المدنية للتقاعد تحت مسمي الصالح العام وتم التعيين السياسي في وظائف الخدمة المدنية دونما مراعاة لمعايير تشريعات الخدمة من للكفاءة العلمية والخبرة العملية وشروط التدرج الهرمي الوظيفي للوظائف القيادية والوسيطة وبعد الانفراج السياسي في السودان منذ أواسط التسعينات تم تكوين لجنة مركزية للنظر في تظلمات المتضررين من الإحالة وإعادة النظر في معظم حالات التقاعد وإرجاعهم للخدمة مرة أخري وإنصافهم.

2/ السلبيات ا لتي صاحبت تطبيق الحكم الإقليمي والولائي
.
في أقاليم السودان بعد تطبيق الحكم الإقليمي سنة 1980 وصدور القرار الجمهوري رقم 760 لعام 1982 بلامركزية القوي العاملة في أقاليم السودان للدرجات الوظيفية دون الرابعة باستثناء بعض الوظائف الفنية التخصصية النادرة مثل الأطباء والصيادلة والمهندسين وقد صاحب هذه التجربة أيضا سلبيات تتمثل في إجراء ترقيات سريعة لشاغلي الوظائف الإقليمية مما أدي إحداث مفارقات وظيفية بينهم وبين رصفائهم بالحكومة المركزية أو بالأقاليم الاخري مما أستدعي الأمر في العهد الديمقراطي الثالث إلي تكوين لجان مركزية لإزالة المفارقات الوظيفية.
والجدير بالذكر أن تجربتي الحكم الإقليمي في العهد المايوي والحكم الولائي في عهد الإنقاذ قد أفرزتا ظاهرة اعتراض بعض حكام الأقاليم أو ولاة الولايات نقل بعض الموظفين من المركز بحجة الرغبة في ملء الوظائف الشاغرة من أبناء الإقليم أو ألولاية بالرغم من انعدام التناسب بين الدرجة الوظيفية وبين متطلبات الوظيفة من المؤهلات العلمية والخبرة العلمية مما أدي إلي المحاباة والمحسوبية وإحياء روح القبلية والعصبية والجهوية.
3/ الفجوة بين دخل الوظيفة العامة ومتطلبات الحياة الضرورية التضخم العالمي والارتفاع في الأسعار منذ أواخر الثمانيات وعدم قدرة الحكومات في زيادة لمرتبات بنسبة توازي التضخم أحدث خلخلا واضحا تمثل في الفجوة العميقة بين دخل الوظيفة الحكومية ومتطلبات الحد الادني لعيش الكفاف لشاغل الوظيفة أدي إلي تدني الأداء في الخدمة المدنية.
ثانيا من حيث الواقع والمضمون
نتيجة للعوامل السابق ذكرها فقد شاب الخدمة المدنية التسيب الإداري والذي يعرف لغويا "بكون الشئ يسير أو يأتي سلوكه علي غير هدي وبدون ضوابط محددة تحكم تصرفاته وحركته" وقد أطلق العرب في الجاهلية مصطلح سائب علي الناقة التي تلد عددا كبيرا من الحيران وتترك حرة في الصحراء حتي تنفق وقد ورد في القران أشارة لها في سورة المائدة الآية 102 باعتبار أنها عادة جاهلية" ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون علي الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون " صدق الله العظيم
والتسيب الإداري في أبسط تعريف له "هو الحالة التي يتم فيها الأداء الإداري بدون احترام لأي ضوابط أو لوائح أو قوانين منظمة وموضوعة لكي يكون الأداء علي الوجه الأكمل ".
والدكتور محمد علي يونس في دراسته عن "التسيب الإداري في الوظيفة العامة في الجماهيرية الليبية "يعرف المصلحة المتسيبة بأنها التي تتصف ببعض أوكل الصفات التالية :-
1/ لا يتم التقيد فيها بالقوانين واللوائح المنظمة للعمل
2/لا يوجد لها سجلات وملفات منظمة
3/ عدم التدرج في الواجبات والمسئوليات.
4/ لا يوجد لها أساليب ثابتة للاختيار والتعيين والترقية.
5/ لا يوجد بها معايير وأسس للعقاب أو الحوافز.
6/ عدم احترام مواعيد العمل الرسمية في الحضور والانصراف لا يوجد لها تنظيم إداري محدد (هيكل تنظيمي ).
وفي ورقة عمل قدمها الدكتور تاج السر محجوب في مؤتمر تقييم الحكم الاتحادي الذي عقد بقاعة الصداقة بجامعة الخرطوم في الفترة من 27/30 ابريل سنة 2002 بعنوان "الموارد البشرية ودورها في الحكم الاتحادي " لخص إشكاليات الخدمة المدنية وتنمية القدرات البشرية في النقاط التالية:
1/ ترهل أجهزة الخدمة بالكوادر ذات الكفاءة المتدنية خاصة بالمستويات أ لوسيطة.
2/ ضعف إعداد القيادات الإدارية العليا.
3/ ضعف شروط الخدمة والعمل وعدم مواكبتها لمستويات المعيشة وتحديات الإنتاج والإنتاجية.
4/ غياب المعايير الموضوعية والشفافية لسياسات الثواب والعقاب مما أدي إلي شيوع ظاهرة التسيب وعدم احترام القيادات وضعف روح الانتماء المؤسسي وعدم الانضباط وعدم احترام التشريعات واللوائح التنظيمية والإدارية .
5/ بطء الإجراءات وسلحفائيتها مما أدي إلي تباعد الخدمة عن المواطن وزيادة معاناته للحصول عليها في الزمن المناسب وبالتكلفة المناسبة والمعقولة والقرب المناسب .
6/التضخم الوظيفي والتضارب في الاختصاصات.
والدكتور محمد أحمد داني في كتابه " الحكم المحلي قراءة جديدة " لخص أوجه القصور في الخدمة المدنية في السودان في الأتي :-
أ/ تدني مستوي وكفاية العاملين بالدولة لغياب الإستراتجية الحكيمة لبناء لقدرات وتطوير الموارد البشرية والتنمية السياسية الرشيدة.
ب/ انتشار المحسوبية والفساد لعدم احترام القوانين وغياب الحكم الراشد(الصالح).
ج/ جمود الأساليب والتقنيات الإدارية وعدم مواكبتها للنظم الحديثة للمعلومات والتقانة والاتصالات.
د/ ضعف الرقابة العامة والمحاسبة والمساءلة القانونية للقيادات الإدارية والسياسية .
هـ/ اللامبالاة وعدم الشعور بالمسئولية والانتماء الأصيل للدولة والوطن.
و/ الخضوع الأعمى للبيروقراطية مع ضعف أجهزة الرقابة عدم ربط الإصلاحات الإدارية بمتطلبات التنمية من تطوير القوي العاملة ورفع قدراتها بالإضافة إلي التطوير التنظيمي .
وقد ترتب علي ما سبق في الواقع العملي في بعض المواقع عدم التزام بعض الموظفين بواجباتهم الوظيفية التي حددها القانون واللوائح والنظم والقرارات الإدارية أو التعليمات من الرئيس المباشر أوأي إجراءات أخري تعتبر جزءا من الواجبات الوظيفية . وخاصة فيما يلي أداء الالتزامات والواجبات ألوظيفية القانونية التالية :-
1/ الإلمام بالقوانين واللوائح والنظم التي تحكم العمل.
2/ تنفيذ أوامر الرؤساء وتوجيهاتهم حسب التسلسل الإداري في الوحدة.
3/ الحرص علي العمل بدقة وبأمانة وبشعور عال من المسئولية وتخصيص وقت العمل الرسمي لإنجاز الواجبات المناطة به وأداء الأعمال التي يكلف بها خارج أوقات العمل الرسمي إذا اقتضت الضرورة ومصلحة العمل بذلك.
4/ المواظبة في العمل واحترام مواعيده والتعاون مع الزملاء في أداء الواجبات.
5/تنفيذ ما يصدر إليه من أوامر مشروعة من الرئيس المباشر بكل دقة وأمانة في حدود القوانين واللوائح والنظم المعمول بها ويتحمل الرئيس مسئولية الأوامر الصادرة منه.
6/ احترام المواطنين وبذل أقصي الجهود من اجل تسهيل معاملاتهم وإنجازها علي الوجه الأكمل ودعم ثقة المواطن بالجهاز الإداري للدولة والتعامل معهم علي أساس من العدالة والمساواة دون تمييز. وبحسبان أن الوظيفة خدمة عامة تقدمها الدولة للمواطن وهي تكليف وواجب وطني وليست تشريفا هدفها خدمة المواطن بأمانة وشرف وتغليب الصالح العام علي الخاص وتؤدي طبقا للقانون والنظم وان جميع الموظفون مواطنون تأتمنهم الدولة لتنفيذ هذا الهدف وتطبيق سياستها في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية كل في موقعه.
7/ الحرص علي المال العام ومصالح وممتلكات الدولة وعدم التفريط فيها وتبليغ الرئيس المباشر عن أي تجاوز للمصلحة العامة أو المال العام أو عن أي إهمال يضر بالمصلحة العامة وكذلك الحفاظ علي ممتلكات الدولة التي بحوزته أو تحت تصرفه واستخدامها وصيانتها علي الوجه الأكمل.
8/ ألحفاظ علي كرامة الوظيفة والابتعاد عن كل ما شانه التقليل من قيمتها والاحترام لها أثناء وبعد ساعات العمل الرسمية وداخل وخارج مكان العمل.
9/ العمل باستمرار علي تنمية معارفه وكفاءته المهنية والثقافية وزيادة كفاءة أدائه كما يلزم بتدريب وتطوير مهارات مرؤوسيه.
10/ التنفيذ الواعي للمعاملات والإجراءات المتعلقة بوظيفته وعدم التباطؤ فيها وخاصة في الجوانب والنواحي التي يترتب علي الدولة خسائر أو تكاليف أو أعباء مالية.
11/عدم الجمع بين الوظيفة ووظيفة أخري أو أي عمل أخر وقت وبعد الدوام الرسمي.
12/ عدم إفشاء الأمور والمعلومات السرية التي يطلع عليها بحكم وظيفته حتي بعد انتهاء خدمته أو لأي أسباب أخري.
13/ عدم استعمال النفوذ الوظيفي للحصول علي منافع شخصية .